Tuesday

عبد الحليم قنديل : أسعي لأنشاء جريدة خاصة بعد مطاردات مباحث أمن الدولة


فى مهنة الصحافة بمصر ، الطرق الى النعيم متعددة وسهلة .. لكن عندما ترك عبد الحليم قنديل مهنة الطب ليعمل بالصحافة ، اختار طريقا ليس له فيه نصيبا من النعم أو حتى الرضا ... كتاباته و مقالاته تجعله هدف دائم للحكومة و أجهزتها .. ويتنقل كرئيس للتحرير من صحيفة الى اخرى طوعا أو جبرا على ترك منصبه . و من غيره كاد أن يدفع حياته ثمنا لتمسكه بأسلوبه الشرس فى الكتابة عندما تعرض لاعتداء وحشى و ألقاه " مجهولون " فى مكان قفر عاريا كما ولدته أمه .
بمفهوم الإصرار أو حتى العناد ، هو كاتب ليس له حل .. فهو يقول أن الجوع الكافر إذا تملكه و أجبره على الاختيار فإنه سيختار العمل فى محل بقالة عن أن يغير كتاباته ما دام القلم فى يده .
" مدونة الوسط الصحفي العربي " التقت قنديل وكان هذا الحوار .....

حوار : أشرف شحاتة


** في البداية ما موقفك حاليا بعد إقالتك من جريدة " صوت الأمة " ؟
ـ إنضممت لطابور العاطلين ، لا اكتب حاليا لصحيفة مصرية ، اكتب فقط مقالا في صحيفة " القدس العربي " وهو استمرار لمقال دوري منذ رئاستي تحرير صحيفة " الكرامة " . كما أنني حزين بعد بعد رفض النقيب عقد المؤتمر داخل قاعات النقابة، وإصداره تعليمات بإغلاق الأبواب الرئيسية للنقابة أمام المشاركين فى المؤتمر الذى أحتفل فيه بتوقيع كتابي "كارت أحمر للرئيس" وهذه المرة الثانية التى يقوم بها مكرم بمنع مناقشة أحد كتبى داخل النقابة، ففى العام الماضى أغلق أبواب القاعات أمام كتابى "الأيام الأخيرة" وها هو يكرر نفس الأمر". وحزين أيضا لاستجابة النقيب لتعليمات الأمن والتى تعنى أن مكرم تخلى قيم نقابة الصحفيين لصالح الأمن بعيدا عن ما أقرته قلعة الحريات من تنوع الآراء وحريتها.


** إذن لا يوجد أي تفكير من جانبك لتغيير وضعك الحالي؟
ـ بالنسبة للصحف الحالية لا تستطيع أن تكلفها أكثر من طاقتها ، بالإضافة إلي المطاردة من الرئاسة أو مباحث امن الدولة للصحف التي أتعامل معها كما حدث سابقا ، لكن هناك تفكير فى إنشاء جريدة خاصة ، وذلك بعد المطاردات المستمرة لمباحث أمن الدولة لي في الصحف


** بصراحة .. بعد واقعة صوت الأمة ، جعلت أصحاب الصحف يبتعدون عنك ...
ـ بالتأكيد ، هناك تخوف لدى أصحاب الصحف من الاستعانة بي للكتابة أو المساهمة في التحرير ،حدث ذلك في الكرامة وصوت الأمة ،ولكن في صحيفة " العربي " كان الضغط بشكل مختلف من خلال إقصاء ضياء الدين داود من انتخابات مجلس الشعب في عام 2005 ، وهذا السبب دفعني بمحض إرادتي الى أن اترك الجريدة ، والأمر بدأ عام 2003 وكنت وقتها رئيسا لتحرير العربي وكانت تمر بأزمة مالية كبيرة توقفت فيها عن صرف المرتبات ، وكان مصدر دخلي الوحيد وقتها كتابة عامود يومي في جريدة الراية القطرية في الفترة من 15 سبتمبر 1994 حتي ديسمبر 2003 ، وطوال هذه الفترة لم تحدث أية مشكلة .. وعندما سقط الرئيس مبارك في مجلس الشعب مغشيا عليه أثار ذلك تكهنات حول المأزق الذي يمر به الحكم في مصر وماذا سيحدث بعد مبارك ، وقد طلبت مني قناة الجزيرة التعليق علي الحدث ، وقلت أن صحة الحكام أسرار عسكرية ، وكما يذاع أن صحة الرئيس علي ما يرام ولكن صحة النظام غير كذلك وان هذه الأمور قد تدفع إلي توريث الحكم في العائلة ، وبعدها بنحو 24 ساعة وصلني خطاب من أدارة الجريدة نصه " نشكركم علي تعاونكم معنا " وبعدها عرفت السبب الحقيقي وراء الاستبعاد حيث اتصل صفوت الشريف وزير الإعلام وقتها بقناة الجزيرة غاضبا مهددا باسم الرئيس مبارك ، وتم الرد عليه بطريقة لا تعجبه حيث أخبروه " اللي أنت بتقوله ده عندكم مش عندنا " .. وبعدها كان أسامة الباز في مقر الحزب الناصري و تحدث مع ضياء الدين داود في لقاء مغلق ، ثم كانت الواقعة الشهيرة في 2004 عندما تم اختطافى بالقرب من منزلي وإلقائي عاريا في الصحراء وتم التحقيق في الواقعة أمام النائب العام وأثيرت ضجة واسعة وأكثر من 500 مقال تم كتابتها عن الواقعة ، وتم أجراء المعاينة والاستماع إلي الشهود .. لكن تم حفظ أوراق القضية في الإدراج


** البعض انتقدك بسبب هجومك الشديد على الرئيس مبارك ..
ـ أنا رأيى أن هذا البعض صحفيون حكوميون أو شبه حكوميين ،يرون أن نقد الرئيس هو من المحرمات، والعرف السائد أنه من الممكن أن تنتقد أي شخص عدا الرئيس و إلا تعرضت لعقوبات وفقا للقانون ، لكن لأن الدستور يضع كل السلطات في يد الرئيس ، فإن الرئيس هو الشخصية التي من المفترض أن تنتقد ، وفكرة " ألوهية الرئيس" أنا أرفضها فهو موظف عام كبير ومحل نقد، ومستقر في الأعراف الصحفية العالمية توجيه النقد لأي شخص حتى رئيس الدولة .. وفى جريدة "صوت الأمة" بسبب مقالي "سارق مصر الأول" الذي انتقدت فيه أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطني، أقام ضدى دعوى سب وقذف ، أنا شخصيا لم أوكل محاميا للدفاع عنى ، وقالت المحكمة أن المقال المذكور هو نقد مباح ، وخلاصة هذا كله أن جميع مواد الدستور والقانون السالبة للحريات لابد أن تزال أو تعدل، ولابد لي أنا وغيري أن نغير فكرة حصانة الرئيس من النقد.
وأنا أتحمل كل نتائج ما حدث ومازال يحدث معي ، ورغم أن دعوى "الحسبة" التي أقيمت ضدي فيما عرف إعلاميا بقضية رؤساء التحرير الأربعة، قضت المحكمة في حكم ثاني درجة بتغريمى 20 ألف جنيه، فيما يخص إهانتى للرئيس وتم اعتبار المقالات أخبارا وأتها أخبارا كاذبة، وأنى قلت أن جمال مبارك هو الرئيس الفعلي، وأن هذا هو وصف مجازى لمصدر القوة.


** ولماذا بدأت هجومك على الرئيس في الفترة الأخيرة .. أين أنت منذ توليه الحكم ؟
ـ أنا تركت مهنة الطب واتجهت للعمل في الصحافة سنة 1985 من صحيفة إلى أخرى وكانت هناك مواسم معارضة للرئيس مبارك هي فترات ترشحه للانتخابات الرئاسية في أعوام 87 ، 93 ، 99، ومن سنة 2000 بدأت انتقاداتي للرئيس مبارك منذ استدعاء جمال مبارك للقيام بالعمل السياسي في مصر، ثم ظهرت بعض التحولات السياسية ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا وبداية المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين، وتنامي بروز أسم عمر سليمان مدير المخابرات العامة، وأن جمال مبارك أستدعى من لندن للعمل بالسياسة ويظهر له دور سياسي متصاعد ومتدرج وبدأ الكلام عن التوريث .. وتم التجهيز طوال هذه السنوات ليتكرر فى مصر نفس سيناريو التوريث في سوريا عندما تولى بشار الأسد الحكم بعد وفاة والده حافظ الأسد ، ولذلك تجد انتقاداتى للرئيس مبارك طوال حكمه ولم أكن مواليا له في أية فترة .


** فسر البعض هجومك الشرس علي الرئيس بأنك تريد أن تصبح " بطل من ورق " ؟
ـ أكون بطلا أو لا أكون .. هذه مسألة تتعلق بحساب الرأي العام ، ودائما أسعي لأكون نفسي ، وما يعتبرني بعض الناس بطلا أو شيطانا فهذا لا يهمنى ، وأنا لست موظفا سياسيا أو ليس لي طموح سياسي بمعنى أنى لا أريد أن أكون وزيرا أو حتى خفيرا .. لا أتطلع الى شئ .


** ما تعليقك على أن بعض رؤساء التحرير يناقضون أنفسهم ، يطلبون من الدولة مزيدا من الديمقراطية بينما هم لا يمارسونها في مؤسساتهم الصحفية حتى أنهم يوجدون " شللية " ، وأنت من ضمن هؤلاء عندما استعانت بمجموعة حركة كفاية لنشرها موضوعات في صوت الأمة؟
ـ هذا لم يحدث علي الإطلاق ، ومجموعة حركة كفاية نجوم في المجتمع ، ولا أعرف من بالضبط أعضاء حركة كفاية الذين تقصدهم ، وإذا كانت هناك مجموعة كتبت معي في صوت الأمة فهذا شرف لي ، ومع ذلك لم آتي بمجموعة منهم للعمل الصحفي معي أو استبعاد الموجودين قبلي في الجريدة ولكن حاولت أن أطور من أدائهم .


** لكن حدث خلاف بينك وبين عصام إسماعيل فهمي رئيس مجلس الإدارة بسبب تحول " صوت الأمة" الى نشرة إعلانية لحركة كفاية؟
ـ لا تستطيع أن تسميه خلافا بقدر ما هى ضغوط فرضت علي عصام اسماعيل فهمى من جهات عليا ، فبعد أن توليت صوت الأمة بخمسة أسابيع ، حكم عليه بالسجن لمدة 30 يوم في قضية ضرائب ، وأنا لا أشعر بأي ضغينة تجاهه ، وقد تحدث معه هشام طلعت مصطفي قبل قضية مقتل سوزان تميم و قال له أن الرئيس " زعلان منه " بسبب إختيارى رئيسا للتحرير ، وبعدها بدأت المقايضة مع عصام إسماعيل حول القضايا المتلاحقة له في مقابل الاستغناء عني .


** ولكن يقال أن سبب اشتباكك مع الرئاسة أنه كان لك مطالب خاصة ورفضتها الرئاسة ولذلك كان الهجوم الشرس من جانبك؟
ـ الذي يتكلم عن مصلحة خاصة لعبد الحليم قنديل لا يعرفه ، فلم يكن لي أي مصلحة مع أي مسئول وليس مع الرئيس شخصيا ، وأتحدي أي شخص أن يبرهن غير ذلك ، وهذه نقطة القوة في موقفي


** ما الحوار الذي دار بينك وبين عصام إسماعيل فهمي حول إقالتك ؟
ـ لم يحدث بيننا أي حوار ، ولكن بلغنى كلام بأن عصام قال : " أنا خفت عليه من نفسه " ، وهذا كلام جميل منه ، وعصام ناشر شاطر بمعايير السوق ، و اختلافي الوحيد معه المقال ، وينتقص من كرامتي لو ذهبت إليه لمناقشته في اتخاذ هذا القرار ، وبالرغم من ذلك أنا أدرك تماما أن عصام إسماعيل فهمي ليس صاحب قرار إقالتي وإنما هو بمثابة عنوان بريد أرسل إليه القرار


** بصراحة .. ألم تندم بسبب إتباعك هذا الأمر ومطاردتك المستمرة في الصحف التي تذهب إليها ؟
ـ هناك تخوف وليس ندم ، فليس إنسانا من لا يخاف ، فالتحول الذي حدث بداخلي بعد حادث 2 نوفمبر 2004 ( حادثة الإعتداء ) ، وبعد نجاتي منه حدث تنازع بين قيمتين الخوف والحذر لا ينجي من القدر والقيمة الباقية واخترت القيمة ، ولذلك لم أندم علي الإطلاق


** هل من الصواب أن تمنع نشر حوار مرشد الإخوان من صوت الأمة بعد إرسال الجريدة للمطبعة ؟
ـ أنا محتفظ بأصول الموضوعات ، والجريدة ترسل الى المطبعة يوم السبت .. وأثناء ذهابي للمنزل فوجئت باتصال تليفوني من عصام إسماعيل وجمال نصار المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان ، وكان هناك إلحاح برفع حوار المرشد من الجريدة قبل طبعها ، وقلت لهم أن الموضوع خرج من يدي و الجريدة فى طريقها الى المطبعة ، ونحن التزمنا بالتسجيل الحرفي للحوار ، لان المرشد قال كلاما غير لائق علي الرئيس مبارك ، وبعدها تلقيت اتصال من عصام بأن طبع الجريدة معطل ، وطبقا للمعايير المهنية بعد عودة الجريدة مرة أخري خضعت لطلبات المصدر بعدم نشر الحوار ، لأنه من الجائز اعتقال المرشد بسببه .


** حدثت صدمة كبيرة في الوسط الصحفي من لغة الحوار بينك وبين كرم جبر رئيس مجلس إدارة " روزاليوسف " في برنامج "القاهرة اليوم" هل كنت تتوقع أن يحدث ذلك ؟
ـ لم أتوقع ذلك علي الإطلاق ، ولم أكن أعلم أنه سيكون معي في اللقاء ، ولو عرفت ذلك لما ذهبت للبرنامج ، و أنا كنت ملتزم بأدب الحوار فى بداية البرنامج ، وسبب التغير للغة الحوار بتلك الطريقة هو كرم جبر .


** هل تري أن الحوار كان مدبرا لك ؟
ـ لا أظن ذلك ، وهناك رأيان لدى من تابع البرنامج .. رأى " بالبلدى " يقول " كويس إنه إتهزق " .. ورأى ثان يقول " لم يكن من اللائق الدخول فى هذا الحوار " ، وأنا مع الرأى الثانى .


** ماذا حدث بعد ذلك اللقاء ، هل كانت هناك دردشة مع مقدمي البرنامج أو كرم جبر نفسه؟
ـ كلا .. إنصرفت مباشرة ، وأنا بالنسبة لي لا توجد مصلحة شخصية مع احد ، و كرم جبر لا يعنى شيئا بالنسبة لي ، لا أحبه ولا اكرهه .


** إذا عرض عليك عقد مصالحة بينك وبين الحكومة ، ما هى بنود العقد ؟
ـ أذا تضرر أحد من كتاباتي فعليه اللجوء للقضاء .


** الصحافة مصدر رزقك الوحيد ، في حالة استمرار الضغوط المفروضة عليك ، هل تفكر في تغيير أسلوب كتاباتك ؟
ـ هذا لن يحدث علي الإطلاق ، ولم أصل بعد إلي جوع ، ولكن أذا بلغت حالة جوع حقيقي وأصبحت أمام إختيارفإننى أفضل أن أفتح محل بقالة عن أن أغير كتاباتي .

No comments: